في عصرنا الحالي، انتشر مصطلح "النرجسية" بشكل واسع حتى أصبح يُستخدم في أحاديثنا اليومية، لكن فهم اضطراب الشخصية النرجسية يتجاوز مجرد وصف أو إهانة. إنه يشير إلى علاقات غير متوازنة يعاني فيها أحد الطرفين من صعوبة في الحب والتعبير عنه.
ما هو اضطراب الشخصية النرجسية؟
يُعرّف اضطراب الشخصية النرجسية بأنه حالة من التركيز المفرط على الذات، مع شعور مبالغ فيه بالأهمية الذاتية يقابله نقص واضح في التعاطف. وراء هذه الصورة الواثقة يختبئ شخص هش يعاني من جروح نفسية عميقة وشعور بعدم القيمة.
تعود جذور مصطلح "نرجسية" إلى الأسطورة اليونانية عن زهرة النرجس الجميلة والسامة، وهو ما يعكس طبيعة الشخصية النرجسية التي تجمع بين الجاذبية الخارجية والتأثير السلبي على العلاقات.
كيف يرى النرجسي الحب؟
في عالم العلاقات العاطفية، يظل الحب مفهوماً غامضاً للشخص النرجسي. فهو يعيش أسير ذاته، عاجزاً عن رؤية مشاعر الآخرين واحتياجاتهم. الحب الحقيقي يتطلب الانفتاح والصدق والتعبير عن الضعف - كل هذه الأمور تهدد الدفاعات النفسية التي بنى النرجسي جدرانها حول نفسه منذ الطفولة.
يعيش صاحب اضطراب الشخصية النرجسية ازدواجية قاسية: يظهر ثقةً ومتفوقاً للعالم الخارجي، بينما يخفي داخله مشاعر عميقة بالذنب والعار والحزن.
الصراع بين الرغبة في الحب والخوف منه
يتمحور اضطراب الشخصية النرجسية حول تناقض أساسي: الرغبة العميقة في الحب والخوف المدمر من الارتباط. في العلاقات، يتحول الشريك إلى مرآة يطلب منها النرجسي الكمال المستحيل، مما يؤدي إلى استنزاف عاطفي مستمر.
كما لاحظ المحلل النفسي آدم فيليبس: "إن نرجس في الأسطورة لم يكن يهرب من الحب، بل من معرفة نفسه". هذه هي المأساة الحقيقية لصاحب اضطراب الشخصية النرجسية - فهو لا يهرب من الآخرين، بل من مواجهة ذاته الهشة.
طريق الشفاء: الحب كمرآة للذات
يكمن دور الحب الحقيقي في كونه قوة تحويلية تتيح لنا رؤية أنفسنا بصدق. فالحب الناضج لا يعني الهروب من الألم، بل المواجهة الشجاعة لجوانبنا المظلمة.
للأسف، يفضل النرجسي العزلة على العلاقة الحميمة، والسيطرة على المشاركة العاطفية. ومع ذلك، يبقى في أعماقه توق صامت لأن يُحب دون قيود أو شروط.
خلاصة العلاقة بين الحب والنرجسية
تبقى العلاقة بين الحب واضطراب الشخصية النرجسية معقدة ومليئة بالتناقضات. فالنرجسي يبحث عن الحب الذي يشفى جراحه، لكنه يخشى أن يكشف هذا الحب عن هشاشته الداخلية.
يبدأ الشفاء عندما يدرك صاحب اضطراب الشخصية النرجسية أن الحب الحقيقي لا ينتقص من قيمته، بل يكمّلها. فأن تحب وتعطي بحق يعني أن تتقبل ضعفك الإنساني، وتسمح للآخر برؤيتك كما أنت - إنساناً قادراً على الحب رغم كل جراحه.

